السبت، نوفمبر 26، 2011

بزوجك حمودي إذا كبرتوا!


نسمع (ظل راجل ولا ظل حيطة) من أمهاتنا كثيراً. فتربية بناتنا تدور كلها في فلك ايجاد رجل يكون زوجاً يهبها السعادة. نتجاهل براءتها ونقوم بإختيار زوج لها من أطفال الصديقات كان يشد شعرها أو يخطف دميتها قبل قليل: (بزوجك حمودي إذا كبرتوا)

سأعطيكم نظرة خاطفة على حوارات يومية بين أم وابنتها: "أمي، أريد الذهاب لأذاكر مع صديقتي"، "ممنوع الخروج من البيت، إذا أتزوجتي أطلعي بكيفك". "أمي، أريد أن أقص شعري"، "إذا تزوجتي قصيه". "أمي، أريد أن أدرس طب"، "وتقعدي في الجامعة ٧ سنوات وتعنسي؟". "أمي، لقيت وظيفة في المستشفى"، "إذا أشتغلتي في مكان مختلط ماراح تلاقي إلي يتزوجك". "أمي، أريد أن أقدم على البعثة"، "الناس ايش تقول علينا؟ عايشة لوحدها برة. إذا أتزوجتي روحي مع زوجك"، "لكن يا أمي أخي مبتعث"، "أخوك رجال.. الرجال شايل عيبه والبنت سمعه".

مشهد آخر:
"نسيت أقول لك. بتروحي معايه  الليلة زواج ريما، سمعت أم هاشم تدور لولدها على عروسة وبتكون هناك. يا رب يكون من نصيبك". وهنا تصر الأم أن تنافس ابنتها العروس في مساحيق التجميل والفستان والمجوهرات. وتتأكد أن ابنتها ستؤدي مهمة لفت نظر أم زوج المستقبل على أتم وجه. حيث ستتكلم بالقطارة وتوزع الابتسامات، ثم يجب أن تقوم "لترقص" حتى ترى أم هاشم ذلك القد الممشوق، والأم تدعو أن تنال ابنتها الرضا لتكون زوجة هاشم. هل أنا وحدي أرى في ذلك المنظر تقليل من شأن الفتاة وهرس لكرامتها؟

ومن البيت للمدرسة، فنعلمهن التدبير المنزلي، والتي تعني بدروس الطبخ فقط، ومادة التفصيل والخياطة بينما نعلم أقرانهن من الأولاد علوم الأرض وتقنية المعلومات. 


وهنا  نحن نمحي شخصية بناتنا، و ننشيء ذلك الرابط الخفي أنها لتعيش سعيدة يجب أن تتبع كل الشروط التي تقربها من هدف ايجاد زوج المستقبل. فتعيش الفتاة بين الخوف والرجاء، تؤجل وتعدل من خطط حياتها لتتلائم مع ما يعجب الناس ليمنحوها صكوك القبول لدخول دائرة "صالحة للزواج". وعلى الجانب الآخر ننمي في أولادنا الأنانية والإتكالية على المرأة في تصريف أمور المنزل وتربية الأولاد فقط لأن الله خلقهم ذكوراً. فهو من سيكون "سي السيد" وسيجد الزوجة التي يطوعها ويشكلها كيفما أراد. يستقيظ من النوم والأطفال جاهزين للمدرسة، يعود من عمله يتغدى وينام ثم يخرج "للقهوة" تاركاً مسؤولية تعليم الأطفال لأمهم. لا يغسل حتى طبقه الذي تعشى فيه أو ملابسه، من مبدأ "عيب أنا رجال" ونسى أن الرسو ل صلى الله عليه وسلم في بيته كان يقوم على خدمة أهله، فيخيط ثوبه ويخصف نعله. ثم يستغرب إذا احتاجت المرأة لخادمة تساعدها في الحمل الثقيل.

نسينا أن فاقد الشيء لايعطيه، فكيف لفتاة نسلبها شخصيتها المستقلة وحرية اتخاذ القرارات في حياتها التي تسعدها هي وليس الآخرين، كيف لها أن تهب السعادة لذلك الرجل؟ وماذا لو لم يأت ذلك الرجل؟ هل نؤخر سعادتها إلى أجل غير مسمى؟ هل نوقف جميع القرارات المصيرية في حياتها أملاً أن يأتي يوماً ما؟

 لو علمنا بناتنا أن السعادة تنبع من حبنا لأنفسنا كما نحن، من الاستقلالية بالفكر والعقل، من اتخاذ القرارات في حياتنا لأنها حياتنا نحن، ونحن من سيعيشها وليس الآخرين. من أن يكون لدينا في حياتنا هدف أكبر وأشمل واسمى من البحث عن زوج. لعاشت سعيدة ووهبت هذه السعادة لذلك الزوج إذا جاء، بدلاً من أن يصدمها الواقع وتنتهي الزيجة بالفشل كما هو حال أكثر من نصف الزيجات في مجتمعنا.






نُشِرت في صحيفة الحياة اللندنية
الاربعاء, 07 ديسيمبر 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق