السبت، نوفمبر 26، 2011

بزوجك حمودي إذا كبرتوا!


نسمع (ظل راجل ولا ظل حيطة) من أمهاتنا كثيراً. فتربية بناتنا تدور كلها في فلك ايجاد رجل يكون زوجاً يهبها السعادة. نتجاهل براءتها ونقوم بإختيار زوج لها من أطفال الصديقات كان يشد شعرها أو يخطف دميتها قبل قليل: (بزوجك حمودي إذا كبرتوا)

سأعطيكم نظرة خاطفة على حوارات يومية بين أم وابنتها: "أمي، أريد الذهاب لأذاكر مع صديقتي"، "ممنوع الخروج من البيت، إذا أتزوجتي أطلعي بكيفك". "أمي، أريد أن أقص شعري"، "إذا تزوجتي قصيه". "أمي، أريد أن أدرس طب"، "وتقعدي في الجامعة ٧ سنوات وتعنسي؟". "أمي، لقيت وظيفة في المستشفى"، "إذا أشتغلتي في مكان مختلط ماراح تلاقي إلي يتزوجك". "أمي، أريد أن أقدم على البعثة"، "الناس ايش تقول علينا؟ عايشة لوحدها برة. إذا أتزوجتي روحي مع زوجك"، "لكن يا أمي أخي مبتعث"، "أخوك رجال.. الرجال شايل عيبه والبنت سمعه".

مشهد آخر:
"نسيت أقول لك. بتروحي معايه  الليلة زواج ريما، سمعت أم هاشم تدور لولدها على عروسة وبتكون هناك. يا رب يكون من نصيبك". وهنا تصر الأم أن تنافس ابنتها العروس في مساحيق التجميل والفستان والمجوهرات. وتتأكد أن ابنتها ستؤدي مهمة لفت نظر أم زوج المستقبل على أتم وجه. حيث ستتكلم بالقطارة وتوزع الابتسامات، ثم يجب أن تقوم "لترقص" حتى ترى أم هاشم ذلك القد الممشوق، والأم تدعو أن تنال ابنتها الرضا لتكون زوجة هاشم. هل أنا وحدي أرى في ذلك المنظر تقليل من شأن الفتاة وهرس لكرامتها؟

ومن البيت للمدرسة، فنعلمهن التدبير المنزلي، والتي تعني بدروس الطبخ فقط، ومادة التفصيل والخياطة بينما نعلم أقرانهن من الأولاد علوم الأرض وتقنية المعلومات. 


وهنا  نحن نمحي شخصية بناتنا، و ننشيء ذلك الرابط الخفي أنها لتعيش سعيدة يجب أن تتبع كل الشروط التي تقربها من هدف ايجاد زوج المستقبل. فتعيش الفتاة بين الخوف والرجاء، تؤجل وتعدل من خطط حياتها لتتلائم مع ما يعجب الناس ليمنحوها صكوك القبول لدخول دائرة "صالحة للزواج". وعلى الجانب الآخر ننمي في أولادنا الأنانية والإتكالية على المرأة في تصريف أمور المنزل وتربية الأولاد فقط لأن الله خلقهم ذكوراً. فهو من سيكون "سي السيد" وسيجد الزوجة التي يطوعها ويشكلها كيفما أراد. يستقيظ من النوم والأطفال جاهزين للمدرسة، يعود من عمله يتغدى وينام ثم يخرج "للقهوة" تاركاً مسؤولية تعليم الأطفال لأمهم. لا يغسل حتى طبقه الذي تعشى فيه أو ملابسه، من مبدأ "عيب أنا رجال" ونسى أن الرسو ل صلى الله عليه وسلم في بيته كان يقوم على خدمة أهله، فيخيط ثوبه ويخصف نعله. ثم يستغرب إذا احتاجت المرأة لخادمة تساعدها في الحمل الثقيل.

نسينا أن فاقد الشيء لايعطيه، فكيف لفتاة نسلبها شخصيتها المستقلة وحرية اتخاذ القرارات في حياتها التي تسعدها هي وليس الآخرين، كيف لها أن تهب السعادة لذلك الرجل؟ وماذا لو لم يأت ذلك الرجل؟ هل نؤخر سعادتها إلى أجل غير مسمى؟ هل نوقف جميع القرارات المصيرية في حياتها أملاً أن يأتي يوماً ما؟

 لو علمنا بناتنا أن السعادة تنبع من حبنا لأنفسنا كما نحن، من الاستقلالية بالفكر والعقل، من اتخاذ القرارات في حياتنا لأنها حياتنا نحن، ونحن من سيعيشها وليس الآخرين. من أن يكون لدينا في حياتنا هدف أكبر وأشمل واسمى من البحث عن زوج. لعاشت سعيدة ووهبت هذه السعادة لذلك الزوج إذا جاء، بدلاً من أن يصدمها الواقع وتنتهي الزيجة بالفشل كما هو حال أكثر من نصف الزيجات في مجتمعنا.






نُشِرت في صحيفة الحياة اللندنية
الاربعاء, 07 ديسيمبر 2011


الخميس، نوفمبر 24، 2011

تيدكس وجيل خارج الصندوق

حضرت مؤخراً مؤتمراً نظمه شباب للشباب في مدينة الخبر تحت عنوان تيدكس شباب الخبر TEDx Youth Khobar.

تيدكس هو امتداد غير رسمي للمؤتمر الرئيسي والغير ربحي تيد TED (اختصار لتكنولوجيا ترفية و تصميم)، والذي يقام بشكل سنوي في كاليفورنيا منذ العام ١٩٩٠ ميلادي. فكرة TED أن تعطي المفكرين والمبدعين منبراً لطرح أفكارهم بطريقة خلّاقة أمام جمهور يتم اختياره بعناية ليكون مرآة ناقدة للأفكار المطروحة. ويرصد جائزة سنوية نقدية لمتحدث واحد خلال المؤتمر ليتمكن من تنفيذ فكرته التي قد تغير العالم. من أشهر المتحدثين في هذه المؤتمرات أشخاص مثل بيل كلنتون، بيل جيتس ، لاري بيج (أحد مؤسسي جوجل) والكثير من  الأشخاص الحاصلين على جائزة نوبل. باختصار المؤتمر الرئيسي TED يضم النخبة من مفكري العالم حيث يعطيك الفرصة لمعرفة كيف يفكرون. والمؤتمر الفرعي تيدكس ماهو إلا محاولة لتقليد المؤتمر الرئيس، لكن بشكل محلي حيث أقيم في عام ٢٠١٠ مايقارب من ٧٥٠ مؤتمر تيدكس في أكثر من ٦٠ دولة حول العالم.

تيدكس الخبر حضره أكثر من ٥٠٠ من الجنسين. كان غالبيتهم من الشباب تحت الثلاثين وتحت العشرين أيضاً. ما شد انتباهي أن المنظمين للمؤتمر كانوا ثلاثة فقط  وكلهم تحت سن العشرين: عبدالله العقيل ١٦ ربيعاً وعبدالرحمن البواردي ١٥ ربيعاً والثالث كان ما دعاني للفخر بحق، حيث كانت فتاة في مقتبل العمر أيضاً: مها أبا حسين ١٦ ربيعاً. مها مازالت تدرس بالصف الثالث الثانوي.  وكانت أحد المتحدثين في مؤتمر تيدكس  الأخير بمدينة الرياض، والذي فاق عدد حضوره الألف وخمسمائة. حيث كان عنوان حديثها وقتها " ليس مبكراً أن تبدأ بتحقيق حلمك"، وفكرتها أن لا ننتظر لتحقيق أحلامنا بل نبدأ الآن. وأن الكلام أيضاً يلهم ويؤثر وله وقع كبير على الناس لدفعهم لتحقيق أحلامهم مهما كانت وإلا ماكانت معجزة الرسول صلى الله عليه والسلام القرآن. كان حديثها في تيدكس الرياض ملهماً للكثير مما شجعها أن تكون أحد منظمي تيدكس الخبر، كما تقول.

قالت لي مها لاحقاً أن المنظمين كانوا خمسة أشخاص، لكن لم يكن يخطر ببال أحد كمية العمل الكبيرة لتنظيم مثل هذا الحدث الذي جعل المنظمين يواصلون النهار بالليل، وانسحب اثنان وبقى ثلاثة ليكملوا رغب كل العقبات والصعاب ليروا حلمهم واقعاً. المنظمون ليس لهم أي سابق معرفة ببعض، إلتقوا في تيدكس سابق وعن طريق تويتر وفيسبوك قاموا بالتواصل مع المتحدثين والتنظيم والإعلان عن المؤتمر، وحتى جمع الاسئلة والتعليقات والتوصيات من الحضور خلال وبعد المؤتمر.

 بدأ المؤتمر بالأمر المعهود، قراءة من القرآن الكريم، بطريقة غير معهودة حين كان القاريء يقرأ من جهاز الآيفون. وتوالى المتحدثون ومعظمهم يستخدم جهاز الآيباد أو الآيفون للتواصل مع الجمهور بطريقة هادئة جداً عن طريق تويتر. والجميل أن يقرأ الجميع مايقال عن المؤتمر من آراء وتعليقات ونقاش بشكل مباشر على تويتر باستخدام هاشتاغ عمل خصيصاً لذلك #TEDxYK . مما يعطي المنظمين والمتحدثين وأيضاً الجمهور داخل وخارج القاعة قناة تواصل لحظية مدهشة و بكل شفافية و صدق، هذا إذا عرفنا أن جمهور تيدكس جمهور صعب ارضاؤه.

بالإضافة  لأن جميع ماقيل وعرض في المؤتمر من أفكار يتم عرضها في قناة مخصصة لهم على اليوتيوب. "تيدكس" كان مثال مصغر لما يمكن أن يعطيه أو يصنعه هذا الجيل لأنه أختار أن يخرج من المساحة الضيقة المعطاة لهم من الأهل والمدرسة والمجتمع ليصنع أفق واسع لا حدود ويستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي ليبدع ويخلق أفكار تستحق الإنتشار كما هو شعار المؤتمر الأم "تيد".

في المؤتمر تلتقي بأصغر المتحدثات "نورة الجعويني" عمرها ١٣ عاماً تقول في التعريف عن نفسها "صغير هو عمري، كبيرة هي طموحي" تلتقي أيضاً بريناد العنزي خريجة تمريض وعندها براءات اختراعات وحاصلة على منحة للدراسة في أعرق جامعة في العالم "جامعة هارفارد" رغم أنها مصابة، بكل فخر كما تقول، بإضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه. أيضاً سارة الحارث الباحثة الشغوفة التي مازالت تبحث عن من يدعم بحثها وتقول: " مع أنني لم أجد من يتبنى ويمول مشروع بحثي لكنني مازلت لم أفقد الأمل". الكثير مما شاهدته ولمسته هناك ويصعب أن أسجله في مقال واحد. 


 هذا الجيل، جيل شبكات التواصل الإجتماعي، جيل شاب جداً وطموح جداً وثقته في النفس عالية. لم يتنظر تصديق الكبار بقدراته أو إذنهم لينطلق ويعطي ويبدع. هذا الجيل يستخدم التكنولوجيا وشبكات التواصل الإجتماعي كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية، بينما يستخدمها الآخرون كدخيل أو ككمالية أو للترفيه فقط.

ورغم أن موقع تويتر يرفض اعطاءنا رقم مستخدمي الموقع من السعودية (من واقع ١٧٥ مليون مستخدم حول العالم و٩٥ مليون تغريدة يومية) لكن الاحصاءات تشير إلى أن السعوديين أكثر من يستخدم هذا الموقع في العالم حيث زاد عدد تغريدات السعوديين مؤخراً بنسبة ٤٤٠٪ بينما كانت نسبة الزيادة العالمية ٩٥٪. وأظن أن هذا مؤشر جيد كيف استطاع هذا الجيل الشباب من تطويع واستخدام هذا الموقع بطريقة فعلاً خلاقة لايصال آرائهم وتبادل أفكارهم بكل حرية بعيداً عن وسائل التواصل التقليدية. حتى أن الكثير أصبح مصدر معلوماته وأخباره اليومية عن طريق هذه الشبكات.


أستطيع أن ألخص ماشاهدته بمقولة جميلة لأحد متحدثي المؤتمر، فيصل الغامدي طالب هندسة النظم الصناعية بجامعة البترول والمعادن في حديثه بعنوان فكر داخل الصندوق: "أنت والحياة لن تبقيا كما أنتم، أحدكما سيغير الآخر".





نُشِرت في صحيفة الحياة اللندنية
الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١١


الثلاثاء، نوفمبر 22، 2011

الإيجابي والسلبي

الإيجابي واثق، السلبي متردد

الإيجابي يطرح الحلول، السلبي يتذمر من المشاكل

الإيجابي صبور، السلبي يفقد الأمل بسرعة

الإيجابي يحافظ على ابتسامته حتى في أحلك المواقف، السلبي متجهم وعبوس

الإيجابي يركز على الهدف حتى يصل، السلبي ليس لديه هدف أو يغير أهدافه بسرعة مع أول مشكلة

الإيجابي يجد في المواصلة رغم العقبات إصرار، السلبي يجد في المواصلة مضيعة للوقت

الإيجابي يحيط نفسه بالإيجابيين والناجحين، السلبي ينفر منه الإيجابيون والناجحون

الإيجابي يتكلم قليلاً ويعمل كثيراً، السلبي يشتكي كثيراً ويعمل نادراً

الإيجابي لديه رؤية عالمدى البعيد تجعل رحلة النجاح ممتعة فلا يشعر بالتعب، السلبي
رؤيته لا تتجاوز أرنبة أنفه تجعله لايتحرك من مكانه

الإيجابي محبوب وله شعبية، السلبي يتحاشاه الناس

الإيجابي يناقش الأفكار، السلبي يناقش الأشخاص

الإيجابي يرى بصيص أمل حتى في أحلك ساعات الليل، السلبي لايرى النور حتى لو كانت الشمس في كبد السماء

الظهران
١٨ يوليو ٢٠١١

أول الغيث قطرة


القيادة ليست هدفنا الأكبر! هي موضوع جانبي! لكن ردة الفعل الغير مبررة جعلها تبدو وكأنها شأن عظيم.. خوف مجتمعنا من كل ماهو جديد شيء مفزع.. أضف لذلك جديد ويمس المرأه التي ما فتؤا يفرضون الوصاية عليها في كل شيء

الهدف الأسمى أن ننجح هذه المرة لنعيد للمرأة ثقتها المنزوعة! الثقة التي نزعتها منها سنين من غسل الأدمغة أنها ضعيفة، مكسورة الجناح، عار، حرمة، تظل عالة على كل من خلقه الله ذكراً ولو كان طفلاً ولو كان طفلها الذي أنجبته.. مجتمع تلد المرأة وصيها... الهدف أن تعاد الحقوق العظام المسلوبه بإرادة النساء أنفسهن بعد أن صدقن الكذبة الكبيرة التي ربتنا عليها أمهاتنا ومن حولنا وجعلت سعادتنا وشقاءنا مربوط بيد ذكر..

النساء اللاتي تعودن المعاناه بصمت وتعودن سماع كلمة (عيب اصبري وأحمدي ربك وحرام) كل ماطالبنا بشيء.. مجتمع (المرأة سمعة والولد شايل عيبه)..

لن نستطيع أن نحارب من أجل الحقوق العظيمة والأساسية التي هي على رأس الهرم بسيدات تعودن المعاناة في صمت خوفاً من ردة فعل المجتمع ووصفهن بالتمرد والخروج عن التقاليد والعادات التي جردتهن من حقوقهن لا لشيء إلا لأنهن نساء.

الحركات الحقوقية النسائية على مر التاريخ بدأت بأشياء بسيطة وحققت النجاح الذي جعل النساء يؤمن أكثر ويصدقن أكثر في قدراتهن بعد أن فقدن كل رغبة في التغيير بسبب التغييب والترهيب وتعطيل دورهن الحيوي في المجتمع كونها امرأة فقط..النساء بدأن بملعقه أمام أول جدار وانتهين ببلدوزر يحطم كل الجدران.. لذلك القيادة ستكون أول قطرة من غيث بقية الحقوق المسلوبة.. وقديماً قالوا طريق الألف ميل يبدأ بخطوة..


القياده ترف عند البعض لكن ضرورة عند الكثيرات وخصوصاً من لاعائل لهن من مطلقات وأرامل وهن أكثر النساء حاجة لهذا الحق الأساسي.. ومن يرى أنه تافة أطلب منه أن يتخلى عن سيارته شهراً واحداً أو حتى يوماً واحداً وسينقلب بقدرة قادر لمؤيد لما سيجده من اهانة ومعاناة في ملاحقة التكاسي في الشارع والمشي تحت لهيب شمسنا الحنون واهدار الجزء الأكبر من الراتب على المواصلات في غياب وجود شبكة مواصلات عامة تقينا شرهم... نفس من يعارض حصولنا على هذا الحق هو يرضى أن يسكن شخص غريب عنا بيوتنا ويطلع على عوراتنا ويختلي ببناتنا وقد يتطاول ويتحرش بأطفالنا وكل ذلك لايحرك فينا شعرة من الشهامة والنخوة التي عرف بها العربي الأصيل والمسلم الغيور..

أن تعطي المرأة حقها في حرية التنقل سيدعمها في السعي وراء حقوقها الأصلية! لا تتوقع من امرأة مسلوبة من حرية الحركة أن تسعى للمطالبة ببقية الحقوق!

لقد وصلنا نقطة اللاعودة ولا أظن أن موضوع هذا الحق المهمش الذي تم السكوت عنه بتجاهل متعمد طيلة العقود الماضية سيثار بالطريقة التي أثير بها في الأيام السابقة فإما نكون وإما لانكون.. فإما نكمل مابدأنا وإما يموت الموضوع لعقود ستأتي ونقول وقتها ليتنا لم نصمت حين حانت الفرصة للتغيير للأفضل..

أما لماذا منال مصممة على اكمال مابدأت فلأن في نجاحنا رد اعتباري بشكل شخصي ورد اعتبار كل سعودية طالبت بهذا الحق وهوجمت وانتهك عرضها وقذفت بصنوف التهم من تغريب وعمالة حين طالبت بأبسط حق من حقوقها..

تبنيت هذه القضية حتى صدور أول رخصة لامرأه سعوديه.. القفز من قضية لأخرى وتشتيت الجهود هو سبب الفشل.. ولست ممن يرضون بالفشل أو يعلنون الإستسلام...

كنا بإنتظار القرار لعقود وغاب عنا أننا من يصنع القرار.. وأن الحقوق لا تستجدى.. بل تنتزع.. فلن يضيع العمر بعد الآن في صالات الإنتظار...

الظهران
٩ يوليو ٢٠١١

الاثنين، نوفمبر 21، 2011

بين حريق وطريق

تضيع ساعات حياتنا الثمينة في الكلام والنقاش والجدال وتصحيح هذا وتخطيء ذاك، وكأن الحياة تبنيها وتهدمها الكلمات، نسوّف أعمالنا لأن لا مكان لها في بحر الكلام، نعلن اليأس والاستسلام أمام مشكلاتنا، أصبحنا شعوباً تحترف صنعة الكلام، تعقد الاجتماعات، تُنشئ اللجان، تكتب التقارير، وضاع في مكان ما بين طيات الأوراق شيء كنا نسميه «عمل»، أفكارنا لم تعد تتجسد أمامنا على أرض الواقع، حلول مشكلاتنا تظل حبراً على ورق، حتى أصبح معروفاً عنا أننا أمة لا تنتج، فمعدل إنتاجية الموظف العربي ٣٠ دقيقة في اليوم، في حين تتجاوز ١٢ ساعة في اليابان.
كم من فكرة تحمست لها وقتلها كثرة النقاش والتردد فظلت حبيسة رأسك؟ الأسوأ من قتل تلك الأفكار بالصمت هو إيجاد المبررات التي جعلتنا عاجزين عن تحقيقها، ويضيع العمر بين الأعذار والتسويف.
ومن الصور الأكثر إيلاماً لغياب الأفعال في حياتنا اليومية، أننا أصبحنا نفضل لعن مشكلاتنا والشعور بأننا ضحايا، أو لوم الظروف والآخرين، بدلاً من مواجهة هذه المشكلات وحلها، حتى غدت ثقافة الأفعال نادرة كندرة المطر في صحرائنا، لدرجة أننا لا نتحرك إلا إذا رمتنا المصائب بسهامها.

حين تشتكي لي زميلتي في العمل من أمر لا يعجبها أو يؤرقها، قبل أن تسترسل في الشكوى للمرة العاشرة بعد الألف، أقاطعها بسؤال ينهي الحديث قبل بدايته «قبل أن نبدأ، أود أن أعرف ما الخطوات الفعلية التي اتخذتها لحل هذه المشكلة؟»، الإجابة بلا شيء طبعاً، أشعر بالحزن أن الحلول قد تكون بسيطة جداً لكن كل ما تطلبه الشجاعة في أن نواجه المشكلات بدلاً من أن نختبئ منها خلف الكلام، الحل أن نشعل شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام.

الآن نحن نعيش فاجعتين: بين حريق مدرسة جدة، وبين طريق حائل، ولأننا عاطفيون بطبعنا، لتأخذنا العاطفة قليلاً ولنفكر كثيراً كيف نوجه هذه العاطفة لأفكار وأفعال قد تمنع فواجع في علم الغيب وحده، فبدلاً من لعن الطرق المهترئة والفساد وغياب وسائل السلامة والأمن في مدارسنا وطرقنا، وبدلاً من أن يتملكنا القلق والهواجس من المجهول حين نرسل أبناءنا لمدارسهم في الصباح، وبدلاً من اتخاذ هذه المشكلات مطية لتصفية حسابات وإيقاظ فتن نائمة، هلا توقفنا قليلاً وتذكرنا أم محمد (فاطمة الطويرقي)؟ المرأة التي وقفت بكل تلك الشجاعة أمام أمير منطقة مكة المكرمة بعد أن اجتاحت السيول مسكنها، وكانت سبباً في تدشين مشروع تصريف الأمطار والسيول لحي أم الخير والسامر؟!

من المصادفة أن أم محمد مديرة مدرسة أيضاً، لو أن كل مدير ومديرة مدرسة بشجاعة وإصرار أم محمد، لرفعوا اليوم طلباً للتعاون مع المديرية العامة للدفاع المدني وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم للإشراف على وسائل ومتطلبات الأمن والسلامة في المباني التعليمية، وتدريب الطلاب والطالبات والكادر التعليمي للتعامل مع الطوارئ والحرائق حتى وصول المساعدة للمكان، ولمَنعنا بإذن الله من كوارث لا يعلمها إلا الله.



لو أن كل أم وأب قبل تسجيل الأطفال في مدرسة يتأكدون أن هذه المدرسة مزودة بوسائل السلامة وأن كادرها التعليمي مدرب على مواجهة الطواريء. ماذا لو سألتي مديرة مدرسة ابنتك في مجلس الأمهات القادم أن تطلعكم على برنامج السلامة وكيف ستحمي بناتنا في حال حريق أو اصابة أو حدوث أي طاريء؟



وصلني صباح اليوم ايميل يدعو لتشكيل حملة وطنية تطوعية تعنى بسلامة المدارس.. وهذا بحد ذاته مؤشر ايجابي أن مجتمعنا واعي ويتعلم من الكوارث ويتخذ الخطوات الفعلية لتصحيحها ومنع حدوثها مستقبلاً! وكم نشجع الإنخراط في هكذا مبادرات لأنها تنقل الأفكار لأرض الواقع...



http://twitemail.com/email/355055275/9/الحملة-الوطنية-لسلامة-المدارس



على الجانب الآخر من المأساة.. نتوجه شمالاً... نود أن نسمع أن أهل منطقة حائل توجهوا اليوم لوزارة التعليم العالي بطلب لايقبل التراجع لفتح جامعة تستقبل هؤلاء الطالبات في حائل.. لتقيهم من التعرض لمخاطر الطريق اليومية.. وحتى يتم إفتتاح هذه الجامعة تلتزم الوزارة بتوفير وسائل نقل آمنة للطالبات أو سكن جامعي قريب من مكان دراستهن.. نريد أن نضع حلولاً استباقية بدلاً من أن تكون ردة فعل لحدوث كارثة..


«أم محمد» ليست امرأة خارقة، بل هي امرأة صادقة، نطقت كلمة الحق أمام المسؤول، أصرت وتابعت ثم أبر المسؤول قسمها، يا ترى كم «أم محمد» نحتاج في وزاراتنا ومدارسنا ومجتمعنا لنصل؟

"إن الله يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم"

manal.msharif@gmail.com
Twitter | @manal_alsharif







نشرت في صحيفة الحياة اللندنية 
الأربعاء ٢٣ نوفمبر ٢٠١١