الاثنين، نوفمبر 21، 2011

بين حريق وطريق

تضيع ساعات حياتنا الثمينة في الكلام والنقاش والجدال وتصحيح هذا وتخطيء ذاك، وكأن الحياة تبنيها وتهدمها الكلمات، نسوّف أعمالنا لأن لا مكان لها في بحر الكلام، نعلن اليأس والاستسلام أمام مشكلاتنا، أصبحنا شعوباً تحترف صنعة الكلام، تعقد الاجتماعات، تُنشئ اللجان، تكتب التقارير، وضاع في مكان ما بين طيات الأوراق شيء كنا نسميه «عمل»، أفكارنا لم تعد تتجسد أمامنا على أرض الواقع، حلول مشكلاتنا تظل حبراً على ورق، حتى أصبح معروفاً عنا أننا أمة لا تنتج، فمعدل إنتاجية الموظف العربي ٣٠ دقيقة في اليوم، في حين تتجاوز ١٢ ساعة في اليابان.
كم من فكرة تحمست لها وقتلها كثرة النقاش والتردد فظلت حبيسة رأسك؟ الأسوأ من قتل تلك الأفكار بالصمت هو إيجاد المبررات التي جعلتنا عاجزين عن تحقيقها، ويضيع العمر بين الأعذار والتسويف.
ومن الصور الأكثر إيلاماً لغياب الأفعال في حياتنا اليومية، أننا أصبحنا نفضل لعن مشكلاتنا والشعور بأننا ضحايا، أو لوم الظروف والآخرين، بدلاً من مواجهة هذه المشكلات وحلها، حتى غدت ثقافة الأفعال نادرة كندرة المطر في صحرائنا، لدرجة أننا لا نتحرك إلا إذا رمتنا المصائب بسهامها.

حين تشتكي لي زميلتي في العمل من أمر لا يعجبها أو يؤرقها، قبل أن تسترسل في الشكوى للمرة العاشرة بعد الألف، أقاطعها بسؤال ينهي الحديث قبل بدايته «قبل أن نبدأ، أود أن أعرف ما الخطوات الفعلية التي اتخذتها لحل هذه المشكلة؟»، الإجابة بلا شيء طبعاً، أشعر بالحزن أن الحلول قد تكون بسيطة جداً لكن كل ما تطلبه الشجاعة في أن نواجه المشكلات بدلاً من أن نختبئ منها خلف الكلام، الحل أن نشعل شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام.

الآن نحن نعيش فاجعتين: بين حريق مدرسة جدة، وبين طريق حائل، ولأننا عاطفيون بطبعنا، لتأخذنا العاطفة قليلاً ولنفكر كثيراً كيف نوجه هذه العاطفة لأفكار وأفعال قد تمنع فواجع في علم الغيب وحده، فبدلاً من لعن الطرق المهترئة والفساد وغياب وسائل السلامة والأمن في مدارسنا وطرقنا، وبدلاً من أن يتملكنا القلق والهواجس من المجهول حين نرسل أبناءنا لمدارسهم في الصباح، وبدلاً من اتخاذ هذه المشكلات مطية لتصفية حسابات وإيقاظ فتن نائمة، هلا توقفنا قليلاً وتذكرنا أم محمد (فاطمة الطويرقي)؟ المرأة التي وقفت بكل تلك الشجاعة أمام أمير منطقة مكة المكرمة بعد أن اجتاحت السيول مسكنها، وكانت سبباً في تدشين مشروع تصريف الأمطار والسيول لحي أم الخير والسامر؟!

من المصادفة أن أم محمد مديرة مدرسة أيضاً، لو أن كل مدير ومديرة مدرسة بشجاعة وإصرار أم محمد، لرفعوا اليوم طلباً للتعاون مع المديرية العامة للدفاع المدني وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم للإشراف على وسائل ومتطلبات الأمن والسلامة في المباني التعليمية، وتدريب الطلاب والطالبات والكادر التعليمي للتعامل مع الطوارئ والحرائق حتى وصول المساعدة للمكان، ولمَنعنا بإذن الله من كوارث لا يعلمها إلا الله.



لو أن كل أم وأب قبل تسجيل الأطفال في مدرسة يتأكدون أن هذه المدرسة مزودة بوسائل السلامة وأن كادرها التعليمي مدرب على مواجهة الطواريء. ماذا لو سألتي مديرة مدرسة ابنتك في مجلس الأمهات القادم أن تطلعكم على برنامج السلامة وكيف ستحمي بناتنا في حال حريق أو اصابة أو حدوث أي طاريء؟



وصلني صباح اليوم ايميل يدعو لتشكيل حملة وطنية تطوعية تعنى بسلامة المدارس.. وهذا بحد ذاته مؤشر ايجابي أن مجتمعنا واعي ويتعلم من الكوارث ويتخذ الخطوات الفعلية لتصحيحها ومنع حدوثها مستقبلاً! وكم نشجع الإنخراط في هكذا مبادرات لأنها تنقل الأفكار لأرض الواقع...



http://twitemail.com/email/355055275/9/الحملة-الوطنية-لسلامة-المدارس



على الجانب الآخر من المأساة.. نتوجه شمالاً... نود أن نسمع أن أهل منطقة حائل توجهوا اليوم لوزارة التعليم العالي بطلب لايقبل التراجع لفتح جامعة تستقبل هؤلاء الطالبات في حائل.. لتقيهم من التعرض لمخاطر الطريق اليومية.. وحتى يتم إفتتاح هذه الجامعة تلتزم الوزارة بتوفير وسائل نقل آمنة للطالبات أو سكن جامعي قريب من مكان دراستهن.. نريد أن نضع حلولاً استباقية بدلاً من أن تكون ردة فعل لحدوث كارثة..


«أم محمد» ليست امرأة خارقة، بل هي امرأة صادقة، نطقت كلمة الحق أمام المسؤول، أصرت وتابعت ثم أبر المسؤول قسمها، يا ترى كم «أم محمد» نحتاج في وزاراتنا ومدارسنا ومجتمعنا لنصل؟

"إن الله يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم"

manal.msharif@gmail.com
Twitter | @manal_alsharif







نشرت في صحيفة الحياة اللندنية 
الأربعاء ٢٣ نوفمبر ٢٠١١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق