الخميس، نوفمبر 24، 2011

تيدكس وجيل خارج الصندوق

حضرت مؤخراً مؤتمراً نظمه شباب للشباب في مدينة الخبر تحت عنوان تيدكس شباب الخبر TEDx Youth Khobar.

تيدكس هو امتداد غير رسمي للمؤتمر الرئيسي والغير ربحي تيد TED (اختصار لتكنولوجيا ترفية و تصميم)، والذي يقام بشكل سنوي في كاليفورنيا منذ العام ١٩٩٠ ميلادي. فكرة TED أن تعطي المفكرين والمبدعين منبراً لطرح أفكارهم بطريقة خلّاقة أمام جمهور يتم اختياره بعناية ليكون مرآة ناقدة للأفكار المطروحة. ويرصد جائزة سنوية نقدية لمتحدث واحد خلال المؤتمر ليتمكن من تنفيذ فكرته التي قد تغير العالم. من أشهر المتحدثين في هذه المؤتمرات أشخاص مثل بيل كلنتون، بيل جيتس ، لاري بيج (أحد مؤسسي جوجل) والكثير من  الأشخاص الحاصلين على جائزة نوبل. باختصار المؤتمر الرئيسي TED يضم النخبة من مفكري العالم حيث يعطيك الفرصة لمعرفة كيف يفكرون. والمؤتمر الفرعي تيدكس ماهو إلا محاولة لتقليد المؤتمر الرئيس، لكن بشكل محلي حيث أقيم في عام ٢٠١٠ مايقارب من ٧٥٠ مؤتمر تيدكس في أكثر من ٦٠ دولة حول العالم.

تيدكس الخبر حضره أكثر من ٥٠٠ من الجنسين. كان غالبيتهم من الشباب تحت الثلاثين وتحت العشرين أيضاً. ما شد انتباهي أن المنظمين للمؤتمر كانوا ثلاثة فقط  وكلهم تحت سن العشرين: عبدالله العقيل ١٦ ربيعاً وعبدالرحمن البواردي ١٥ ربيعاً والثالث كان ما دعاني للفخر بحق، حيث كانت فتاة في مقتبل العمر أيضاً: مها أبا حسين ١٦ ربيعاً. مها مازالت تدرس بالصف الثالث الثانوي.  وكانت أحد المتحدثين في مؤتمر تيدكس  الأخير بمدينة الرياض، والذي فاق عدد حضوره الألف وخمسمائة. حيث كان عنوان حديثها وقتها " ليس مبكراً أن تبدأ بتحقيق حلمك"، وفكرتها أن لا ننتظر لتحقيق أحلامنا بل نبدأ الآن. وأن الكلام أيضاً يلهم ويؤثر وله وقع كبير على الناس لدفعهم لتحقيق أحلامهم مهما كانت وإلا ماكانت معجزة الرسول صلى الله عليه والسلام القرآن. كان حديثها في تيدكس الرياض ملهماً للكثير مما شجعها أن تكون أحد منظمي تيدكس الخبر، كما تقول.

قالت لي مها لاحقاً أن المنظمين كانوا خمسة أشخاص، لكن لم يكن يخطر ببال أحد كمية العمل الكبيرة لتنظيم مثل هذا الحدث الذي جعل المنظمين يواصلون النهار بالليل، وانسحب اثنان وبقى ثلاثة ليكملوا رغب كل العقبات والصعاب ليروا حلمهم واقعاً. المنظمون ليس لهم أي سابق معرفة ببعض، إلتقوا في تيدكس سابق وعن طريق تويتر وفيسبوك قاموا بالتواصل مع المتحدثين والتنظيم والإعلان عن المؤتمر، وحتى جمع الاسئلة والتعليقات والتوصيات من الحضور خلال وبعد المؤتمر.

 بدأ المؤتمر بالأمر المعهود، قراءة من القرآن الكريم، بطريقة غير معهودة حين كان القاريء يقرأ من جهاز الآيفون. وتوالى المتحدثون ومعظمهم يستخدم جهاز الآيباد أو الآيفون للتواصل مع الجمهور بطريقة هادئة جداً عن طريق تويتر. والجميل أن يقرأ الجميع مايقال عن المؤتمر من آراء وتعليقات ونقاش بشكل مباشر على تويتر باستخدام هاشتاغ عمل خصيصاً لذلك #TEDxYK . مما يعطي المنظمين والمتحدثين وأيضاً الجمهور داخل وخارج القاعة قناة تواصل لحظية مدهشة و بكل شفافية و صدق، هذا إذا عرفنا أن جمهور تيدكس جمهور صعب ارضاؤه.

بالإضافة  لأن جميع ماقيل وعرض في المؤتمر من أفكار يتم عرضها في قناة مخصصة لهم على اليوتيوب. "تيدكس" كان مثال مصغر لما يمكن أن يعطيه أو يصنعه هذا الجيل لأنه أختار أن يخرج من المساحة الضيقة المعطاة لهم من الأهل والمدرسة والمجتمع ليصنع أفق واسع لا حدود ويستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي ليبدع ويخلق أفكار تستحق الإنتشار كما هو شعار المؤتمر الأم "تيد".

في المؤتمر تلتقي بأصغر المتحدثات "نورة الجعويني" عمرها ١٣ عاماً تقول في التعريف عن نفسها "صغير هو عمري، كبيرة هي طموحي" تلتقي أيضاً بريناد العنزي خريجة تمريض وعندها براءات اختراعات وحاصلة على منحة للدراسة في أعرق جامعة في العالم "جامعة هارفارد" رغم أنها مصابة، بكل فخر كما تقول، بإضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه. أيضاً سارة الحارث الباحثة الشغوفة التي مازالت تبحث عن من يدعم بحثها وتقول: " مع أنني لم أجد من يتبنى ويمول مشروع بحثي لكنني مازلت لم أفقد الأمل". الكثير مما شاهدته ولمسته هناك ويصعب أن أسجله في مقال واحد. 


 هذا الجيل، جيل شبكات التواصل الإجتماعي، جيل شاب جداً وطموح جداً وثقته في النفس عالية. لم يتنظر تصديق الكبار بقدراته أو إذنهم لينطلق ويعطي ويبدع. هذا الجيل يستخدم التكنولوجيا وشبكات التواصل الإجتماعي كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية، بينما يستخدمها الآخرون كدخيل أو ككمالية أو للترفيه فقط.

ورغم أن موقع تويتر يرفض اعطاءنا رقم مستخدمي الموقع من السعودية (من واقع ١٧٥ مليون مستخدم حول العالم و٩٥ مليون تغريدة يومية) لكن الاحصاءات تشير إلى أن السعوديين أكثر من يستخدم هذا الموقع في العالم حيث زاد عدد تغريدات السعوديين مؤخراً بنسبة ٤٤٠٪ بينما كانت نسبة الزيادة العالمية ٩٥٪. وأظن أن هذا مؤشر جيد كيف استطاع هذا الجيل الشباب من تطويع واستخدام هذا الموقع بطريقة فعلاً خلاقة لايصال آرائهم وتبادل أفكارهم بكل حرية بعيداً عن وسائل التواصل التقليدية. حتى أن الكثير أصبح مصدر معلوماته وأخباره اليومية عن طريق هذه الشبكات.


أستطيع أن ألخص ماشاهدته بمقولة جميلة لأحد متحدثي المؤتمر، فيصل الغامدي طالب هندسة النظم الصناعية بجامعة البترول والمعادن في حديثه بعنوان فكر داخل الصندوق: "أنت والحياة لن تبقيا كما أنتم، أحدكما سيغير الآخر".





نُشِرت في صحيفة الحياة اللندنية
الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١١


هناك 6 تعليقات:

  1. بالفعل هو ذاك كما وان للحياة بعيون من يشاهدها

    شرائع ومدائن من ماء وطين ورغيف عيش ورغبة جامحة

    رعاك الله بكل ما تطمحين له ويسر الامر لك وللجيل القادم

    برااااافو.

    ردحذف
  2. على الرغم من صعوبات الحياة .. و كثرة أحجار العثرة في الطريق .. كثرة كلمات التحطيم الموجهة لهذا الجيل
    لكن مازلنا نرى النور في آخر النفق .. مازلنا نحلم ..
    رائع هذا الوقت مهما حاول من هم في محيطك تحطيمك فستجد في عالم الشبكة العتكبوتية و مواقع التواصل الاجتماعية من يشاركك هذا الحلم بالتالي تلتقي الاحلام لكي تكبر معا و بإذن الله تتحقق ..

    كلمات رائعة و ملهمة جدا .. رائعة كما انتِ دائما ..

    دمتي بحفظ الرحمن

    ردحذف
  3. بالفعل جيل يبشر بالخير ومعه وبه سوف يكون مستقبل بلادي أفضل ... الأخت/ منال ... سبق أن دعوتك لزيارة مدونتي المتواضعة ومجدداً أكرر الدعوة لشخصك لكي تقرأي هذا المقال "جاءتني شاحبة حزينة وفجأة تبدل الحال" http://alfaraj996.blogspot.com/2011/10/blog-post_05.html#comment-form

    ردحذف
  4. مزيد من التوفيق والنجاح اختي منال والله يسهل طريقك وطريق اخواتك املنا كبير في هذا الجيل والجيل القادم ان يكون سبب للتغيير الحقيقي

    ردحذف