الأربعاء، يناير 25، 2012

من أجل عائشة


في عاصمة النفط حيث الغبار يلف كل شيء حتى القلوب، ألتقيت عائشة للمرة الأولى. لم أرى منها إلا العينين التي أطفأت الحياة فيها سنين عجاف . كان معها ابنتيها وسأمنحهن أسماءً مستعارة (ارادة) ذات الأربعة عشر ربيعاً و(اباء) ذات الثلاثة عشر ربيعاً.

حين تكلمت، شعرت أن هموم الدنيا تكالبت على قلبها وسرقت صوتها المنتفض كعصفور أنهكه المطر. عائشة ليس لها من اسمها نصيب، فهي معلقة منذ أكثر من عشر سنين (فلا هي متزوجة ولامطلقة). زوجها يدعي التدين لكنه لايعرف من الدين غير لحية وثوب قصير، تركها لصروف الدهر وتزوج أخرى. وحين بلغت ابنتاها (ارادة واباء) العاشرة والحادية عشرة أصر أن يزوجهما. ولأن القوانين في وطني لاتنص على سن قانونية للزواج وقفت وحدها في وجه الظلم لتبطل مشروع الزواج وأختارت أن تنذر حياتها لتحمي ابنتيها. تعيش وحيدة على ما يجود به أخوتها الرجال، لأنها لم تستطع أن تعمل في أي مكان حيث شرط موافقة (ولي الأمر) أو (ولي القهر) كانت شوكة تغرز في ظهرها لتبعدها كل مرة.

ارادة واباء ليستا فتاتين عاديتين، جمعتا الذكاء والفصاحة والشجاعة وحتى حب الإختراع. حلمهن أن يكن ضمن برنامج الإبتعاث بعد الثانوية. لكن عائشة لا تملك أوراقهن الثبوتية ولا جواز سفرهن ولن يستوفين شرط وزارة التعليم العالي (محرم المبتعثة) لأنه لارجل في حياتهن. لذلك ستظل أحلامهن حبيسة قيود (قانون الأسرة )الغائب والذي كان سيعطي الأم حق الوصاية لو كان ذلك القانون موجوداً..

الشاهد في مقالي هذه القصة:
قبل عامين تقدمت عائشة، كما روت لي، لأمارة الرياض بطلب أن يؤذن لها بالقيادة لحاجتها ولعدم وجود مواصلات عامة في مدننا، ولتعرضهن لمضايقات وصلت لمحاولة الإختطاف حين يقفن في الشارع بانتظار سيارة أجرة. تم رفض الطلب وقالوا أذهبي لوزارة الداخلية فهي المعنية بالأمر. لكن أكتشفت أن عليها أن تسافر لمدينة جدة، فعادت خالية الوفاض. وتمر الأيام وتتكشف الحقيقة حيث عرفت أن لا قانون يمنعها من القيادة، وأن المسؤولين ما فتؤوا يرددون في كل مناسبة أنها شأن اجتماعي، على الرغم من عدم توفير آلية يحدد بها المجتمع توجهاته ورغباته في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني. وحين حصلت حادثتي الشهيرة تقول: "أفزعني الظلم واستيقظت بعد تغييب قصري أن حرية التنقل من أبسط حقوقي". تمكنت أن تشتري سيارة بالتقسيط فالقانون لايمنع أن تتملك المرأة السيارة لكن نفس القانون لايحميها إن قادتها. قامت بتظليل السيارة بالكامل ودفعت لامرأة سودانية تعلم النساء القيادة لتعلمها وابنتيها. الوحيدة التي امتلكت الشجاعة لتقود في شوارع الرياض المزدحمة كانت اباء. ورغم أنها طفلة لم تتجاوز الثالثة عشرة، لكنها من تقوم حتى اليوم بمسؤولية قضاء المشاوير اليومية لعائلتها الصغيرة. حكت لي اباء عن نظرات الجيران حين تجلس خلف المقود، وكيف يتملكهن الرعب إذا مررن بجانب دورية المرور والخوف من أن يبلغ عنهن أحد المواطنين لرجال الهيئة إذا توقفن بجانب مركز تجاري.
حين حان وقت الوداع أمسكت عائشة بيدي والدموع تملأ عينيها وقالت: " لاتتوقفن عن المطالبة بحقوق من لاصوت لها. أنتن صوتنا. أنتن أمل بناتي"

يسألني الكثيرون "من ملهمي في حياتي؟" اجابتي كانت وستظل دوماً (المرأة السعودية) . المرأة التي تربي وتتعلم وتبدع وتتفوق رغم كل المعوقات ورغم أنها في القانون قاصر من المهد إلى اللحد. المرأة التي تحمل وحدها مسؤولية الحفاظ على شرف العائلة، المرأة التي تستجدي المحارم الذكور الإذن لتدرس، لتعمل، لتتزوج، لتحصل على حق المواطنة من أوراق ثبوتية، لتخرج من بيتها، لتتنقل من مكان لآخر، لتعيش. المرأة التي حرمت من اسمها لأنه العيب، التي حرمت من صورتها و صوتها لأنهما العورة، التي حرمت من ابناءها لأنها ناقصة العقل والدين. المرأة التي حرمت من حياتها لأنها تموت كل يوم في سبيل أن تحيا الأعراف.

قالت لي اباء مرة: "سرقوا عمر أمي لكن لن أسمح لهم أن يسرقوا عمري".

فمن أجلك عائشة.. نحن النساء.. من سيبني وطناً يسع النساء...







تم نشره في صحيفة الحياة اللندنية
الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٢

الذكرى الأولى لثورة شباب ٢٥ يناير



http://international.daralhayat.com/ksaarticle/354449


Manal.msharif@gmail.com
Twitter | @manal_alsharif

هناك 15 تعليقًا:

  1. مرحبا

    وانت كنت اتفق معك في حق المرأة بالقيادة ونيل المزيد من الحقوق، في راي الشخصي هذه مقالة تحريضية اكثر من انها ابداء رائ


    تحياتي و تقديري

    ردحذف
  2. استاذه منال لست بحاجة لان ابدي رأىى بمقلك فالمقال يتكلم عن نفسه ...ولكن لدي سؤال لم استطع ان
    اجد له اجابة شافيه وسؤالي هو ما هو سبب الرعب الذي يصيب تلك افئة من الناس من المرآه وما هو
    السر في هذه الحالة النفسيه التي لايوجد لها شبيه في اي مجتمع على وجه الأرض غيرنا الا في
    العصور الوسطى وعهد الاقفال وياترى هل السبب والمبرر واحد رغم بعد المسافه بين هذا وذاك ام انها
    مراحل تأريخية واجتماعية لابد ان تمر بها سفينتنا واننا نعبر هذه المرحلة الآن واذا كان الوضع كذلك
    فلا بد ان يكون هناك خلل ما ادى الى تباطؤ هذه الرحله حيث استغرقت كل هذه المساحة الزمنيه
    لتصل الى ميناء العصور الوسطى النسائي واذا كان الحال كذلك فكم قرنا نريد لنصل الى القرن
    الواحد والعشين ؟؟؟؟

    ردحذف
  3. الله يخليك ذخر لنا نحن النساء في بلاد الاضطهاد والتمييز ضد المرأة..المملكة العربية السعودية!!!

    ردحذف
  4. المشكلة لما نقول لهم هالقصص يقولون هذه حالات خاصة ونادرة، ورغم انها ليست نادرة كما يزعمون ولكن لنفرض أنها كذلك، هل مشاكل فئة من مجتمعنا غير مهمه في نظرهم وهل تستحق هذه الفئة كل هذا القهر و المعاناة و الظلم ! فقط لكونهم نساء!

    ردحذف
  5. قلبي حزن بجد!
    ما ادري متى النور يشع علينا
    وتعتبر المرأة السعودية إنسانة طبيعية من جديد

    ردحذف
  6. عندما تكون ابنة، فانها تفتح بابا من الجنة لابيها. وعندما تكون زوجة، فانها تكمل نصف دين زوجها. وعندما تكون اماً، فإن الجنة تحت أقدامها.

    هذا هو نحن ..هم من سيطلبون رضانا ومسامحتنا لهم لدخول جنان ربي .. عن طريق حسن معاملتنا ..ولكن لا حق يُهدى ..فالحق يُؤخذ وسوف نأخذه....

    ردحذف
  7. باختصار معناة المراة بالسعودية وكل القوانين التي تحرمها من حق الحياة بكرامة

    اهنيك واحيك على شجاعتك وعلى كلاماتك الاخيرة فعلا مقال موثر ولكن ليته ياثر ويحرك مشاعر المسوولين

    ردحذف
  8. أشكرك يا منال, و احترت ماذا اكتب

    ردحذف
  9. بيض الله وجهك يا منال الشريف ............

    ردحذف
  10. انت اكثر من رائعه.. وانا من اشد المؤيديين لك.. ولكن ماباليد حيله والمراءه هنا لاصوت ولارأي لها.. أنتي اقوى مننا فثابري.. وياليت اقدر اسوي شي عشان احصل على حقوقي المبتوره.. خوخه الشهراني

    ردحذف
  11. بعد السلام والتحية ...أخوتي وأعزائي ....المناضلة لأجل الكرامة منال ...المقاومة إلى أبعد حدود الكون ...لك تحياتي من بلدك الثاني لبنان ...من حنوب لبنان ...من مدينة " الحسين عليه السلام " مدينة النبطية المقاومة للإحتلال ....لك كل التقدير وكل الإحترام ...لإرادتك ولصبرك ولجهدك ...أشعر بالخجل حين أقرأ وأتابع كتاباتك ومواقفك ...وأنا أخشى كثيراً الكلام أو التعليق ...لأنني المسلم الشيعي - عذراً - ..فلا أريد أن أتكلم عن المسلم في السعودية ، خشية أن يفهم كلامي " حقد " لا سمح ألله ........

    ردحذف
  12. يتبع ... لكن الله لم يخلق المرأة لإذلالها وتحقيرها ولأسرها ولتقييدها ...ولا بد هنا من التساؤل لطالما أن القاعدة الشرعية " الرجال قوامون على النساء " هي القاعدة الشرعية التي يتمسك بها الذكور في عالمنا الإسلامي - اللاإسلامي - ...فالله لم يقل في كتابه " الذكور قوامون على النساء " فشتان بين الرجولة وبين الذكورية ...فليس كل ذكر هو رجل بمعنى الرجولة والشهامة والإحترام ...أصحاب النفوس المريضة الذين يفتقدون في ذواتهم إلى الصفاء والنقاء ...هم مشوشين يعيشون حالة إنفصام شخصي ولا وعي ...بالله عليكم لماذا ننظر إلى المرأة على أنها منكر أو عورة شاردة في الطريق ؟؟؟؟ بأس هكذا مجتمع لا يحترم ذاته

    ردحذف
  13. يتبع ....هذا الذي يرى المرأة مجرد عورة ...مجرد موطن للشهوة ...مجرد مكمن للرغبة هو عقل مصاب بالتشويه أجدر به أن يرمى في مزابل التاريخ ...هذا العقل الذي ينظر إلى المرأة نظرة دونية تحقيرية عقل تخريبي مصاب بسرطان الأفكار التي ليس لها أساس من الصحة في القرآن الكريم ...المرأة العربية ليست للنكاح ...بئس من يقول بأنها موطن لتفريغ الشهوة ...الإسلام أراد لها الكرامة والعزة والحرية والقدرة ...فلماذا نخالف الشرع ونقيدها ونمحوها عن وجه الحضارة والعلم والثقافة ....

    ردحذف
  14. شكرا منال المقال رائع

    ردحذف
  15. خيال خصب ولغة متدفقه لو استغلت في نشر الفضيلة والتعبير الحقيقي لحاجات المعوزين لكان اجدى وأنفع لصاحبة القلم السيال، لا أنكر عدم وجود هذه الأمثلة والقصص لكن ما أنكره أن تختزل هموم واحتياجات المرأة السعودية المبدعه في جلوس خلف مقود السياره الكئيب والمضني!!! تحياتي للصادقين ودمتي بخير اختي منال

    ردحذف